السؤال:
ما هي الآثار الاجتماعية لقارئات الرواية وهن في مرحلة المراهقة؟ وما هي السلبيات والإيجابيات؟ وهل توجد حلول غيرها؟ جزاكم الله خيرا.
الجواب:
الرواية لا تخلو إما أن تكون منضبطة بضوابط الشريعة وإما ألا تكون، وللأسف فغالب الروايات من هذا النوع، وقليلة جدًّا تلك الروايات المنضبطة بالشرع، وبهذه المناسبة أقول: ليس المراد بالرواية المنضبطة بالشرع تلك الرواية التي يكتبها كاتب إسلامي! فحتى هذه دخل كثيرًا منها ما دخله من الدخن، فالرواية الإسلامية التي أفهمها هي تلك الرواية التي لا تثير غريزة ولا تروج لباطل وكأنه شيء معتاد، فضلًا عن أن تنصر باطلًا أو تؤيد انحرافًا، هي تلك الرواية التي قد يسوغ فيها التعريض لكن بمجاهيل لا وجود لهم ولا يسوغ فيها أن يكون ذلك في حق أناس موجودين لهم حرماتهم، فضلًا عن أن تتضمن تعد على جنس أو شعب، هي تلك الرواية التي يعرف كاتبها حدود ما أنزل الله فيلتزمه، وحدود ما حرمه فيجتنبه...، والحديث عن ضوابط الرواية الشرعية وما يجوز فيها وما لا يجوز يطول، وليس هذا محل الحديث عنه والمرجع فيه ليس الأدباء وإنما هم العلماء، {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}، ومن علم ضوابط الرواية الشرعية عرف أنه ليس من شرطها أن يكون كاتبها إسلاميًّا، وقد أثرت روايات كثيرة فيها معان إسلامية وكتابها لا يمثلون تيارًا إسلاميا وإن كانت تخرج من أحدهم كالفلتة من فلتات الدهر، استجابة لداعي العقل والفطرة، واستطرادًا أطرح تساؤلًا لعل أعيُن بعض المختصات أو المختصين تقع عليه؟ لم لا يجمع بعضهم مجموعًا أو يخرج مجاميع لأدباء ينتقي من ركام خبيثهم طيبه، يكون بديلًا صالحًا لمن أراد أدبًا نظيفًا؟
وعودًا إلى موضوع السؤال فإن كانت الرواية شرعية فإنها تربي النشء أو تروج في المجتمع لعقائد الإسلام وشرائعه وشعائره، تروج لمكارم الأخلاق، ومحاسن العادات، فمثل هذه الروايات لها أثرها الطيب على الناشئة والذرية، سلوكيًّا وثقافيًّا.
أما الروايات غير المنضبطة بحدود ما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، فأنواع كثيرة، وجلها يتضمن مفاسد شرعية، وأضرارًا اجتماعية، بل ونفسية وسلوكية، فمن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
= إثارة الغرائز، وتأجيج الشهوات {ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلًا عظيمًا}.
= تسويغ المخالفات الشرعية وإلباس الجاهلية العصرية ثوب المدنية والحداثة، وغيرها من السخافات التي لا تخرج بها عن حد الجاهلية قيد أنملة.
= الدعوة للثورة على أنظمة المجتمع وأعرافه المعتبرة حتى ولو قدر أنها أعراف غير إسلامية لكنها لا تخالف الشريعة، فاستعاضة هذه بثقافة غربية أو شرقية تضييعٌ لهوية الأمة لا ينبغي أن ترتضيه أمة عزيزة.
= التمكين للغزو الفكري والثقافي المخالف لتعاليم الشريعة، بل المخالف في بعض الأحيان لتعاليم الشرائع السماوية قاطبة، فأي شريعة وأي ديانة جاءت من عند الله ترتضي أسباب الفاحشة والخنا، وأي شريعة تلك التي تقرر الإلحاد، وأي شريعة شيطانية تلك التي تزدري حكم ما أنزل الله وترتضي أحكام الجاهلية.
ومما يسهل عملية تمرير الأفكار عبر العمل الروائي أن الكاتب يستطيع التحكم في شخصيات وأحداث روايته، فيعمد إلى خلق عناصر قبول الأفكار وترويجها بصناعة البيئة الصالحة لها، وإيجاد الشخصيات الملائمة والأحداث المناسبة. فيمكن مثلًا أن يُقبح الكاتب ما شاء من أفكار بتقبيح أحوال قائليها، وإظهارها في قوالب هزيلةٍ يسهل معارضتها وإبطالها، كما يمكنه مدح ما شاء من تصوراتٍ بإجرائها على لسان البطل في أحسن هيئة وأجمل صورة، وإظهار المخالف في موقف العاجز عن الرد والجواب والمعارضة.
= التربية على عدم الواقعية، والنظرة الوردية لمعاني إنسانية، فإذا صدم الإنسان في واقعه بشيء يشوب تلك المثل الوردية تعكر عيشه وتنكد ولم يرتض حياة كان يمكن أن تكون حياة سعيدة بعيد هنيهة وذلك بسبب ما غلب على مخيلته من النظرة غير الواقعية المؤمل أن يعيشها، والتي لا وجود لها إلاّ في نحو المدينة الفاضلة والمثل الأفلاطونية التي إنما يشيد بنيانها في الأذهان لا في أرض الواقع! ما لم تقم الساعة ويستقر أهل الجنة فيها!
= ومن الآثار السيئة للروايات تضييع الأوقات فيما لا ينفع، بل يضر، وبعض المفتونين ربما جعل كتاب الرواية سميره حتى خارج المنزل بل في المدرسة وأثناء الدرس أو المحاضرة!
= كما أن فيها تعليم لبعض طرائق الفاسقين والفاسقات، وتعريف ببعض المحرمات وسبل مواقعتها، وتجريء على تجربتها، وتصوير لها وكأنها أمر عادي بل تقدمي ومخالفتها رجعية، والعياذ بالله.
= التأثير في سلوك القارئ، وتقمصه لشخصيات أبطال الرواية لاسيما إن كان مراهقًا، أو طفلًا، مثل الطالب الذي كان يتقمص دور أحد أبطال الشياطين ال13 وهي قصص ساذجة بوليسية فيما يزعمون، فكان هذا المسكين شيطانًا رابع عشر! عنيفًا كثير التعدي على إخوانه!
وليس بالضرورة أن تجتمع كل هذه المفاسد في رواية بل المهم أن تخلو الرواية منها جميعها ومن غيرها، والحكم على كلام بأن فيه شيء مما ذكر يحتاج إلى علم وفهم وناظر يراعي في نظره أمورًا عدة لا يتسع مثل هذا المقام لعرضها.
وقد تساءلت أيتها الفاضلة هل للروايات إيجابيات والجواب نعم لهذه الروايات المنتشرة الساقطة إيجابيات كما أن للخمر منافعها! فهي لا تخلو من تثقيف مفيد، وبعضها ولاسيما روايات بعض الأدباء المجيدين فيها تدريب على الكتابة والبيان، وإن كان بعضها يفسد اللغة بترويجه للكنات الأعاجم، ولغة الصحافة العصرية الركيكة، وبعضها مترجم تذهب الترجمة بجمال أسلوبه وتبقي على الخبث الذي فيه.
وما من منفعة في تلك الروايات الساقطات إلاّ وطلبها من مظانها أنفع وأجدى للطالب، فمن أراد اللغة والثقافة والبيان فليقرأ في كتاب الله وسنة رسول الله وما دونه أهل العلم الأوائل أصحاب اليراع والعلم والبيان، ثم من أراد منفعة بعينها فليسمها ليدل على مظانها.
وأما الحلول غيرها.. فلماذا؟ ما هي المشكلة التي من أجلها فزعتِ للروايات؟ فبحسب المشكلة يقترح العلاج:
فإن كانت شغل الفراغ وتمضية الوقت مثلا فلذلك مقترحات وسبل معينة.
وإن كانت الثقافة ففي علوم الشريعة والموسوعات المنضبطة والكتب النافعة والمواقع الهادفة والقنوات المحترمة والجرائد والمجلات الإسلامية والروايات السامية في بعض ذلك غنية.
وإن كانت المشكلة الإشباع العاطفي ونحوه مما لا تزيده الروايات إلاّ حرارة واستعارًا فالحل في ترك تلك الروايات أولًا وبتجنب أسباب الفتن ثانيًا، وبالصبر والصلاة والصيام فإنه وجاء، حتى يغنيك الله من فضله.
والخلاصة الحلول كثيرة.. وفي الغالب الرواية لا تمثل حلًّا لمشكلة بل مشكلة فعلى من تريد الحل ألا تزيد من تعقيد المشكلة!
الكاتب: أسماء عبدالرازق.
المصدر: موقع المسلم.